الركود التضخمي (Stagflation) هو مصطلح يشير الى احد اصعب الامراض الاقتصادية ايلاما وصعوبة في العلاج و هو مركب من تجميع لمرضين اقتصاديين وهما التضخم (Inflation) والركود (Stagnation) .
تتميز الاحوال الاقتصادية عامة بعدم الثبات فلا يوجد مجتمع اقتصادي يستمر في النمو بشكل دائم او يستمر في هبوط مستمر ، بل ياخد الاقتصاد دائما شكل منحنى بين صعود وهبوط وبين فترات انتعاش ونمو وفترات انكماش او ما يعرف بالدورات الاقتصادية ، ولكل نمو او انكماش مرض يبدأ في الظهور ليعلن انتهاء تلك الفترة من الدورة الاقتصادية والدخول في الفترة المعاكسة ، اي التحول من النمو الى الركود او التحول من الركود الى النمو.
فخلال فترات النمو الاقتصادي وازدهار الاعمال تزيد حجم الاموال المتداولة في الاسواق مما يدفع الاقتصاد الى المعاناة من حالة التضخم والتي يمكن تعريفها بارتفاع اسعار المنتجات والخدمات نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للنقود وزيادة الطلب عن العرض بشكل جوهري ، وتقوم الحكومات في هذه الظروف باستخدام ادوات السياسة النقدية مثل رفع اسعار الفائدة لامتصاص كتلة النقود واعادة توجيهها الي البنوك ومن ثم تقليل حدة التضخم كحل سريع عن طريق تقليل عرض النقود وكبح جماح الاسعار.
اما في فترات الركود والانكماش الاقتصادية تنتج ظاهرة سيئة اخري وهي ظاهرة البطالة نتيجة هروب رؤوس الاموال وانكماش الاعمال ومن ثم تخفيض العمالة والغاء الوظائف وتعمل الحكومات على مكافحة هذه الظاهرة باستخدام ادوات السياسة النقدية متمثلة في تخفيض اسعار الفوائد لتشجيع المدخرين على سحب ارصدتهم البنكية واعادة توجيهها للاسواق لدفع عجلة الاقتصاد ومحاربة الركود وتخفيض نسب البطالة.
وكذلك تقوم الحكومات باستخدام ادوات السياسة المالية مثل الضرائب والانفاق العام في علاج التضخم وارتفاع نسب البطالة ولكن تتميز السياسات المالية بانها عادة طويلة الاجل ولا تجابه ادوات السياسة النقدية واهما تحريك سعر الفائدة في سرعة علاج الظواهر الاقتصادية الرديئة مثل التضخم والبطالة ولكن عامة يحتاج الاصلاح الاقتصادي الى استخدام ادوات السياسات النقدية والمالية معا للخروج من حالات التضخم او الركود.
وجدير بالذكر بأن هناك مؤشر اقتصادي يسمى بمؤشر البؤس وهو عبارة عن مجموع نسبة التضخم ونسبة البطالة معا وهو نفس مؤشر قياس الركود التضخمي مما يوضح الارتباط التام بين الركود التضخمي والبؤس في المجتمعات الاقتصادية
ونتيجة للاختلالات التي شهدها العالم نتيجة جائحة كوفيد-١٩ والحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا وما تبع ذلك من اختلالات ضخمة في سلاسل التوريد مع التذبذب الكبير في امدادات الطاقة فقد بدات العديد من اعراض الركود التضخمي في الظهور ومنها :
١- ارتفاع معدلات البطالة
٢- انخفاض معدلات النمو الاقتصادي
٣- زيادة اسعار المنتجات والخدمات وارتفاع نسب التضخم
٤- زيادة العجز في الموازنات العامة وما تبع ذلك من انخفاض الانفاق العام
ولعل هذه الظاهرة تمثل التهديد الاكبر للمجتمعات وللاقتصادات والاسواق خلال العام ٢٠٢٣ ويخشى العالم من مواجهة هذه الظاهرة وتكرارها حيث يتطلب الخروج منها العديد من الاجراءات وتعديل في السياسات النقدية والمالية للعمل على تخفيض التضخم وفي ذات الوقت دفع لعجلة الانتاج لامتصاص البطالة وتخفيض معدلاتها الى الحدود المقبولة ، ولتحقيق هذه الاهداف لا توجد خطوات موحدة يتم اتباعها للخروج من حالة الركود التضخمي بل يتم تجربة العديد من الخطوات التي تركز على الجوانب التالية:
١- اعادة النظر في معدلات الفائدة لامتصاص الكتلة النقدية الفائضة واعادة توجيهها الى سوق الانتاج.
٢- القضاء على اختناقات سلاسل التوريد والتي ستعمل على توفير المواد الاساسية باسعار ملائمة ومن ثم تخفيض نسب التضخم.
٣- اعادة توجيه الاموال الناتجة من رفع اسعار الفائدة الى القطاعات الاقتصادية كثيفة العمالة وتشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر القادرة على تخفيض نسب البطالة بشكل سريع.
٤- دعم الاقتصادات الناشئة والعمل على جدولة ديونها لتخفيف العبء عن الموازنات العامة واعادة توجيه الموارد الى الانتاج عوضا عن خدمة الدين
٥- توعية المستثمرين بتجنب المضاربات في الاسواق المالية واتباع استراتيجيات استثمار متوسطة وطويلة الاجل للحد من تقلبات الاسواق
٦- توجيه صناديق الاستثمار السيادية الى اتباع سياسات الشراء والاحتفاظ لدعم استقرار الاسواق المالية.
وفي النهاية نذكر بأنه لا توجد وصفة محكمة او محددة لعلاج الركود التضخمي بل هي تركيبة وموائمة بين اصلاح السياسات النقدية والمالية والتي تختلف من بلد الى اخر ومن اقتصاد الى اخر
هذه المقالة ليست مكتوبة من ثاندر و ليست نصيحة استثمارية، حيث يجب عليك إجراء البحث الخاص بك، قبل اتخاذ أي قرار استثماري